سورة آل عمران - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ} بطلت {أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِوَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} وبطلان العمل في الدنيا أن لا يقبل وفي الآخرة ألا يجازى عليه.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} يعني اليهود {يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ} اختلفوا في هذا الكتاب، فقال قتادة: هم اليهود دُعوا إلى حكم القرآن فأعرضوا عنه.
وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: إن الله تعالى جعل القرآن حكمًا فيما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم القرآن على اليهود والنصارى أنهم على غير الهدى فأعرضوا عنه، وقال الآخرون: هو التوراة.
وروى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس على جماعة من اليهود، فدعاهم إلى الله عز وجل. فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال: على ملة إبراهيم، قالا إن إبراهيم كان يهوديا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهلمُّوا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم» فأبيا عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا وامرأة من أهل خيبر زنيا وكان في كتابهم الرجم، فكرهوا رجمهما لشرفهما فيهم فرفعوا أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجوا أن يكون عنده رخصة فحكم عليهما بالرجم فقال له النعمان بن أوفى وبحري بن عمرو: جُرْتَ عليهما يا محمد ليس عليهما الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بيني وبينكم التوراة» قالوا: قد أنصفتنا قال: «فمن أعلمكم بالتوراة» قالوا رجل أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا، فأرسلوا إليه فقدم المدينة، وكان جبريل قد وصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت ابن صوريا؟» قال: نعم، قال: «أنت أعلم اليهود»؟ قال: كذلك يزعمون قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من التوراة، فيها الرجم مكتوب، فقال له: «اقرأ» فلما أتى على آية الرجم وضع كفه عليها وقرأ ما بعدها على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عبد الله بن سلام: يا رسول الله قد جاوزها فقام فرفع كفه عنها ثم قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اليهود بأن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجما، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهوديين فرجما، فغضب اليهود لذلك وانصرفوا فأنزل الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ} {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ}.


{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّار إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ} والغرور هو الإطماع فيما لا يحصل منه شيء {مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} والافتراء اختلاق الكذب.
قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ} أي فكيف حالهم أو كيف يصنعون إذا جمعناهم {لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ} وهو يوم القيامة {وَوُفِّيَتْ} وفرت {كُلّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} أي جزاء ما كسبت من خير أو شر {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} أي لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.


قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} قال قتادة ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال ابن عباس رضي الله عنهما وأنس بن مالك رضي الله عنه لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعد أمته ملك فارس والروم قال المنافقون واليهود: هيهات هيهات من أين لمحمد صلى الله عليه وسلم ملك فارس والروم؟ وهم أعز وأمنع من ذلك ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؟ فأنزل الله هذه الآية {قُلِ اللَّهُمَّ} قيل: معناه يا الله فلما حذف حرف النداء زيد الميم في آخره، وقال قوم: للميم فيه معنى، ومعناها يا الله أُمَّنا بخير أي: أقصدنا، حذف منه حرف النداء كقولهم: هلم إلينا، كان أصله هل أُمَّ إلينا، ثم كثرت في الكلام فحذفت الهمزة استخفافا وربما خففوا أيضا فقالوا: لا هُمَّ، قوله: {مَالِكَ الْمُلْكِ} يعني يا مالك الملك أي مالك العباد وما ملكوا، وقيل يا مالك السموات والأرض، وقال الله تعالى في بعض الكتب: «أنا الله ملك الملوك، ومالك الملوك وقلوب الملوك ونواصيهم بيدي فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة وإن عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إليَّ أعطفهم عليكم».
قوله تعالى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} قال مجاهد وسعيد بن جبير: يعني ملك النبوة وقال الكلبي: تؤتي الملك من تشاء محمدا وأصحابه {وَتَنْزِع الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} أبي جهل وصناديد قريش وقيل: تؤتي الملك من تشاء: العرب وتنزع الملك ممن تشاء: فارس والروم، وقال السدي تؤتي الملك من تشاء، آتى الله الأنبياء عليهم السلام وأمر العباد بطاعتهم {وَتَنْزِع الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} نزعه من الجبارين وأمر العباد بخلافهم، وقيل تؤتي من تشاء: آدم وولده وتنزع الملك ممن تشاء إبليس وجنوده.
وقوله تعالى: {وَتُعِزّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلّ مَنْ تَشَاء} قال عطاء تعز من تشاء: المهاجرين والأنصار وتذل من تشاء: فارس والروم، وقيل تعز من تشاء محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى دخلوا مكة في عشرة آلاف ظاهرين عليها، وتذل من تشاء: أبا جهل وأصحابه حتى حُزَّت رؤوسهم وألقوا في القليب، وقيل تعز من تشاء بالإيمان والهداية، وتذل من تشاء بالكفر والضلالة، وقيل تعز من تشاء بالطاعة وتذل من تشاء بالمعصية، وقيل تعز من تشاء بالنصر وتذل من تشاء بالقهر، وقيل تعز من تشاء بالغنى وتذل من تشاء بالفقر، وقيل تعز من تشاء بالقناعة والرضى وتذل من تشاء بالحرص والطمع {بِيَدِكَ الْخَيْر} أي بيدك الخير والشر فاكتفى بذكر أحدهما قال تعالى: {سرابيل تقيكم الحر} [81- النحل] أي الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما {إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8